فصل: مسألة العبد الذي نصفه حر فأراد سيده أن يخرجه إلى بلد غير البلد الذي هما فيه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يشترك الرجلان في العمل في الحانوت:

وقال مالك: لا بأس أن يشترك الرجلان في العمل في الحانوت يجلسان فيه جميعا مثل الصواغين والخياطين والحدادين يكونان في حانوت واحد يتعاونان في العمل ولا يفترقان في حانوتين ولا في قريتين لعمل هذا هاهنا وهذا هاهنا فما اكتسبا كان بينهما فلا خير فيه وإنما كره هذا فيما عمل باليد فأما ما لم يعمل باليد فلا بأس بالشركة فيه وإن افترقا في حانوتين مفترقين، قال عيسى: إنما كره ذلك في العمل وإنما كره ذلك إذا افترقا في مجلسين أو حانوتين أو قريتين.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن شركة الأبدان لا تكون إلا مع التعاون بأن يكونا في موضع واحد ويكون العمل واحدا فإن افترقا في حانوتين والعمل واحد أو في حانوت والعمل مفترق لم يجز إلا أن يحسنا ذلك جميعا فيعمل كل واحد منهما مع صاحبه وفي رسم البيع والصرف من سماع أصبغ أنهما يجوز لهما أن يفترقا في حانوتين إذا كان العمل واحد وهو شذوذ من القول وسيأتي الكلام عليه في موضعه إن شاء الله وبالله التوفيق.

.مسألة النفقة بينهما سواء والربح سواء والنقصان سواء:

ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا:
وسئل عن الرجلين يكونان شريكين وهما في بلدين أحدهما بالمدينة والآخر بمصر فيجهر كل واحد منهما على صاحبه ويبيع ويقتضي في موضعه ونفقة الموضعين مختلفة مثل المدينة ومصر يشتري بالدينار من القمح بمصر أضعاف ما يشتري به بالمدينة أفترى أن يحسب كل واحد منهما نفقته التي أنفق أم تكون النفقة بينهما بنصفين ولا ينظر إلى ما يفضله به فتفكر فيه، ثم قال: بلى أرى أن تكون النفقة بينهما سواء والربح سواء والنقصان سواء إلا أن يأتي من النفقة ما يتفاحش مثل أن يكون لهذا عيال كثير ولهذا أن يصرف نفسه فلا أرى أن يحمل ذلك عليه، وكأنه قال إذا كان ذلك غير متفاوت فأراه بينهما سواء.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة والواضحة فلا أعرف فيه في المذهب اختلافا والعلة فيه أن ذلك عرف قد دخلا عليه وبالله التوفيق.

.مسألة توصية الميت بإسقاط اليمين عنه لا يلزم الورثة:

وسئل عن رجل كان شريكا لرجل فمرض أحدهما فأوصى: إن فلانا عالم بمالي فما دفع إليكم من شيء فهو مصدق ولا يمين عليه في ذلك، فرفع أمره إلى السلطان وأتى بما قبله من المال فقسمه بينه وبين ورثة شريكه ثم أقام يقضي ويقسم أقام بذلك عشرين، وكتب له السلطان براءة من ذلك وبقي بينهما دين وبلغ الورثة فقالوا: نريد أن نستحلفك فيما اقتضيت أفترى ذلك لهم وهذا الأمر منذ عشر سنين قد كتب له السلطان براءة من ذلك؟ قال مالك: أرى أن ينظر السلطان في ذلك ويكشف أمره، فإن رأى أمرا صحيحا لم أر أن يستحلفه، فإن استنكر شيئا رأيت أن يحلفه، فقال له الرجل: يا أبا عبد الله بعد عشر سنين؟ قال: نعم أرى ذلك إن رأى أمرا يستنكره.
قال محمد بن رشد: هذه اليمين في أصلها يمين تهمة، وقد اختلف في لحوقها، وتوصية الميت بإسقاط اليمين عنه لا يلزم الورثة لأن الحق صار إليهم في المال بموته، فإن اتهموه استحلفوه على القول بلحوق يمين التهمة، فلذلك قال: إن السلطان ينظر في ذلك فإن رأى أمرا صحيحا لم يوجب لهم عليه يمينا، وإن رأى أمرا يستنكره وجب لهم اليمين عليه وبالله التوفيق.

.مسألة عصر اليسير من الجلجلان والفجل على حدته:

ومن كتاب باع غلاما بعشرين:
قال: وسألت مالكا عن معاصر الزيت زيت الجلجلان والفجل يأتي هذا بأرادب وهذا بأخرى حتى يجتمعون فيها فيعصرون جميعا.
قال: إنما يكره هذا لأن بعضه يخرج أكثر من بعض، فإذا احتاج الناس إلى ذلك فأرجو أن يكون خفيفا لأن الناس لابد لهم مما يصلحهم والشيء الذي لا يجدون عنه غنى ولابد، فأرجو أن يكون لهم في ذلك سعة إن شاء الله ولا أرى به بأسا والزيتون مثل ذلك، قال سحنون: لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: قول سحنون هو القياس، وقول مالك استحسان دفعه للضرورة إلى ذلك، إذ لا يتأتى عصر اليسير من الجلجلان والفجل على حدته مراعاة لقول من يجيز التفاضل في ذلك من أهل العلم، وهذا نحو إجازتهم للناس خلط أذهابهم في الضرب بعد تصيغتها ومعرفة وزنها، فإذا خرجت من الضرب أخذ كل إنسان منهم على حساب ذهبه وأعطى الضراب أجرته، وقد مضى الكلام في ذلك وبسط ما فيه من الخلاف وتوجيه قول من رخص فيه وأجازه مستوفى في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف وبالله التوفيق.

.مسألة القوم يجتمعون يشترون السلعة فيضع البائع لرجل منهم:

ومن كتاب صلى نهارا ثلاث ركعات:
وسألت مالكا عن القوم يجتمعون يشترون السلعة فيضع البائع لرجل منهم.
قال مالك: إن كان الذي ولي الصفقة هو الذي وضع له فما وضع له من ذلك فهو بينهم.
قال محمد بن رشد: اختلاف في أنه إذا كان الذي ولي الصفقة هو الذي وضع له فما وضع له من ذلك فهو بينهم، ولما سأله عن القوم يجتمعون يشترون السلعة فيضع البائع لرجل منهم فقال: إن كان الذي ولي الصفقة هو الذي وضع له فهو بينهما دل ذلك على أن ما وضع لأحدهم إذا اجتمعوا في شرائها للذي وضع له وحده لا يدخل معه في الوضعية أشراكه، والفقهاء السبعة يقولون: ما وضع لأحدهم فهو بين جميعهم، وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم يكونوا شركاء عقد ولا في الموضع الذي يجب الحكم بينهم بالشركة، فلا اختلاف بينهم إذا كانوا شركاء عقد فوضع لأحدهم أن الوضعية بينهم، وكذلك إذا اجتمع التجار واشتروا السلعة حيث يجب الحكم بينهم بالشركة فيها. فوضع لواحد منهم لا اختلاف في أنهم كلهم يدخلون في الوضعية وكذلك لو وضع للذي ولي الصفقة أو الوضعية ما يشبه أن يكون وضيعة من الثمن وبالله التوفيق.

.مسألة يدعو جاره المحتاج فيقول له أخرج معي أشتري طعاما بمائة دينار ولك ثلث الربح:

ومن كتاب أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون:
قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن الرجل يدعو جاره المحتاج وهو أخ له يريد صلته وليست له به حاجة إلا صلته فيقول له:
أخرج معي أشتري طعاما بمائة دينار ولك ثلث الربح.
فقال: ما أعرف هذا ولكن لو اشتراه وعرف الربح ثم قال ذلك له لم يكن به بأس، فقيل له: أفتكرهه؟ فقال: ما أعرف هذا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال والمكروه في ذلك بين لأنه لو كان استأجره على الخروج معه بثلث ما يربح في الطعام الذي يشتري فذلك غرر لا خير فيه وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى لؤلؤا فاستشركه فيه قوم فأشركهم فيه:

وسئل مالك عن رجل اشترى لؤلؤا فاستشركه فيه قوم فأشركهم فيه وقد قالوا له عند إشراكهم: إياه إذا لا تقتسمه إنما تبيعه لنا، فقال: نعم لا نقتسمه أبيعه لكم، فباع صدرا من ذلك ثم رأى منهم ما كره فأراد مقاسمتهم إياه فأبوا ذلك عليه وقالوا: عليك أن تبيعه لنا.
قال مالك: له أن يقاسمهم فأما البيع فنعم عليه أن يبيع لهم ولكن لو بار اللؤلؤ وذهب الزمان الذي كان يرجى أن يباع إليه فلا أرى ذلك لهم عليه، وأرى له أن يدفع إليهم الذي لهم وليس على هذا أراد أن يبيع لهم، ولعل الرجل أيضا يريد سفرا، فأرى له أن يقاسمهم ويدفع الذي لهم إليهم.
قال محمد بن رشد: رواية أشهب وابن نافع هذه عن مالك في الذي يشرك القوم في اللؤلؤ الذي ابتاعه على أن يبيع لهم نصيبهم الذي أشركهم فيه دون أن يضرب لذلك أجلا خلاف ما في كتاب الجعل والإجارة من المدونة من أنه لا يجوز للرجل أن يبيع من الرجل نصف السلعة على أن يبيع له النصف الآخر إلا أن يضرب لذلك أجلا لأنه إذا لم يضرب لذلك أجلا كان جعلا، ولا يجوز أن يجتمع الجعل والبيع في صفقة ويجوز أن يجتمع البيع والإجارة في صفقة واحدة، والإجارة لا تجوز إلا بضرب الأجل، فإذا لم يضرب لهما أجلا فسدت وفسد البيع لفسادها لاجتماعه معها في صفقة واحدة.
ووجه رواية أشهب هذه أنه رأى ما يباع إليه اللؤلؤ على ما قد عرف بالعادة كالأجل المضروب، وذلك بين من قوله، ولكن لو بار اللؤلؤ وذهب الزمان الذي يرجى أن يباع إليه فلا أرى ذلك لهم عليه، يريد ويستوجب البائع الثمن كله، ولو باع اللؤلؤ وقد مضى من الأجل بعضه لوجب أن يرجع المبتاعون المشركون عليه بما ناب ذلك من الثمن لأنهم دفعوه إليه ثمنا لما اشتروه من اللؤلؤ وإجارة على بيعه إلى المدة التي قد عرفت بالعرف والعادة، ووجه العمل في ذلك أن يقوم حظهم الذي اشتراه من اللؤلؤ والإجارة على بيعه إلى تلك المدة، وإن كانت في التمثيل قيمة حظهم من اللؤلؤ عشرة وقيمة الإجارة اثنان وباع في نصف المدة رجع المبتاعون عليه بنصف سدس الثمن الذي دفعوه إليه كان أقل من اثني عشر أو أكثر وهذا كله بين والحمد لله وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يكون بين الرجلين لأحدهما أن يبيع مصابته منها ولا يبع معه شريكه:

وسئل مالك عن العبد يكون بين الرجلين لأحدهما أن يبيع مصابته منها ولا يبع معه شريكه؟ فقال: نعم، ذلك له، قيل لمالك: لمن مال العبد إذا باع أحد الشريكين مصابته منه ولم يبع شريكه معه، فقال: للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، ولكن مال هذا العبد إذا كان بين الشريكين لا يقدر البائع منهما أن يأخذ ماله لأنه لا يجوز في مال العبد قسم إلا بإذن شريكه ورضاه، فلا أرى هذا البيع يجوز إذا باع أحدهما مصابته من العبد إلا أن يبيعه بماله من المشتري وإلا لم يجز.
وقال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال: أحدهما أن البيع فاسد إلا أن يبيعه بماله، وهو نص قول ابن القاسم أيضا في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، والثاني أنه يقال للبائع: إما أن تسلم إلى المبتاع مصابته من المال مع مصابته التي باعها منه من العبد وإلا فخذ حظك منه وينفسخ البيع فيه وهو دليل ما في رسم العارية من سماع عيسى من كتاب العتق والثالث أنه يكون المال للمشتري ويثبت البيع وهذا القول يتخرج على قياس قول ابن دينار في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب البيوع في الرجل يبيع حائطه وثمرته قد أبر نصفها مشاعا إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى والقياس، وفي مسألة الثمرة قول رابع لا يصح في مسألة العبد وهو قول ابن حبيب في الثمرة أنها تكون كلها للبائع لأنها تجعل تبعا لما قد أبر منها وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.

.مسألة السكوت كالإقرار:

ومن كتاب الأقضية الثانية:
قال: وسئل مالك فقيل له: إني أكريت أنا وشريكي إبلا لنا فتخلف شريكي ينتقد الكراء وذهبت أنا أطلب الكراء فانتقد شريكي الكراء فدفعه إلى غلام له فخرجت أنا وعبد شريكي الذي دفع إليه الدنانير فقلت: أين سيدي؟ فقال: تخلف وأرسلني، فقلت له: أين دنانيرنا؟ فقال: أعطانيها وها هي ذي معي فسكت عنه حتى قدمنا ثم ذهب العبد ينظر، فقال: أنا أفتقد دينارين.
فقال له مالك: أراهما عليك وعلى شريكك بالحصص لأن العبد قد أخبرك أنها معه فرضيت وسكت، فأراهما عليك وعلى شريكك إنما عليه أيسر ذلك إن كانت الدنانير عشرين دينارا ولك منها خمسة فعليك ربعها وعلى شريكك ثلاثة أرباعها.
قال محمد بن رشد: جوابه في هذه المسألة صحيح على القول بأن السكوت كالإقرار، وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم فيدخل اختلاف قوله في هذه المسألة ويكون الشريك ضامنا للدينارين اللذين دفع إلى عبده فادعى العبد أنها تلفت عنده بعد يمينه أنه لم يسكت راضيا بكونها عند العبد وأنه إنما سكت لأنه علم أن ذلك لا يلزمه ولا ينفذ عليه وبالله التوفيق.

.مسألة العبد الذي نصفه حر فأراد سيده أن يخرجه إلى بلد غير البلد الذي هما فيه:

وقال مالك في العبد الذي نصفه حر فأراد سيده أن يخرجه إلى بلد غير البلد الذي هما فيه، فقال: أرى ذلك له إن كان مأمونا على ذلك فإن لم يكن مأمونا لم أر له أن يخرجه، فروجع في ذلك فقاله أيضا وما هو بالبين، فقيل له: فعلى من النفقة إذا قضي له بالخروج به والكراء؟ فقال: على السيد وليس على العبد من ذلك شيء حتى يقر قراره بالموضع الذي يكون له عمل فيه، وذلك أنه أخرجه من موضع عمله وكسبه، فإذا نزل قرية له فيها عمل ومكتسب كانت له أيام وللسيد أيام، وإذا كان ذلك في سفرهم في الموضع الذي ليس له فيه مكتسب رأيت النفقة على السيد حتى يقدم به.
قال محمد بن رشد: تفرقة مالك في هذه المسألة بين المأمون وغير المأمون استحسان على غير قياس، والقياس في ذلك ما حكى ابن حبيب وابن المواز عن أشهب أنه قال: ويقع بقلبي أن ذلك ليس للمأمون ولا لغير المأمون، قال غير ابن حبيب: مستعربيا كان أو غير مستعربي قال عنه: فلا يخرج به إلا برضاه لأنه ملك من نفسه ما يملك الشريك، قال ابن حبيب: وأما لو أراد الانتقال به إلى قرية يسكنها فإن كانت من الحواضر فذلك له وإن كره العبد، وفي المسألة قول ثالث أن له أن يسافر به مأمونا كان أو غير مأمون ويكتب له كتابا إن لم يكن مأمونا، وهو قول مالك في رسم طلق ابن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية وقد مضى القول على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة يحملون الطعام من القمح في السفينة الواحدة يختلط بعضه ببعض:

وسئل عن القوم يحملون الطعام من القمح في السفينة الواحدة يختلط بعضه ببعض ثم يريد بعضهم البيع في الطريق، فقال: لا أرى ذلك له إلا أن يرضى أصحابه أن يعطوه؛ لأني أخاف أن يكون أسفل الطعام فاسدا أو يمطروا بعد ذلك فيفسد القمح فلا أرى لأحد منهم أن يأخذوا حتى يبلغوا حده فيقتسمونه الفاسد والجيد إلا أن يرضى أصحابه أن يسلموا له حقه فأرى ذلك له ولا أرى لهم عليه تباعة إذا نزلوا فوجدوا القمح فاسدا.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنهم حملوا الطعام في السفينة على أن يمروا به لبلد واحدة لتجارة أو لغير تجارة فلذلك لم ير لواحد منهم أن يأخذ طعامه إذا كان قد اختلط بمنزلة أن لو كانوا خلطوه وحملوه على الشركة لأن اختلاطه يوجب اشتراكهم فيه وذلك بخلاف ما لو حملوه على أن يمروا به إلى منازلهم فاختلط أو كانوا هم قد خلطوه وحملوه على ذلك لأنهم إذا حملوه على أن يمروا به إلى منازلهم كان من حق من يمر منهم بمنزله أولا أن يأخذ طعامه فيه ولا يكون لأصحابه عليه تبعة إلا أن ينقص الطعام أو يكون قد أصابته آفة على معنى ما قاله في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب حسبما بيناه في ذلك فليست هذه الرواية بمخالفة لها، ومن الناس من حملها على الخلاف لها، وليس ذلك عندي بصحيح، والله أعلم وبه التوفيق.

.مسألة يقول لشريكه إني قد جعلت في هذا المال الذي يعمل فيه أنا وأنت مالا من عندي:

ومن كتاب الأقضية الثالث:
وسئل مالك عن الشريك المفوض إليه أو غير المفوض يقول لشريكه: إني قد جعلت في هذا المال الذي يعمل فيه أنا وأنت مالا من عندي عند المحاسبة أو قبل ذلك أيجوز قوله أم لا يصدق إذا أبى شريكه أن يصدقه فقال: أكتب إليه أنه لا يجوز قوله ويحلف شريكه بالله ما جعل فيه شيئا ولا له فيه شيء.
قال محمد بن رشد: ظاهر قوله في هذه الرواية أنه يحلف على البت، وروى ابن أبي جعفر الدمياطي عن ابن القاسم أنه يحلف على العلم وهو الصحيح إذ لا يصح القطع على أنه كاذب فيما ادعاه وبالله التوفيق.

.مسألة يشتركان في مال بعينه فيقيم أحدهما ويسافر الآخر فيدان المسافر في مال ثم يفلس:

ومن كتاب الأقضية:
وسئل عن الرجلين يشتركان في مال بعينه فيقيم أحدهما ويسافر الآخر فيدان المسافر في مال ثم يفلس فيريد الغرماء أن يتبعوا الشريك المقيم، فقال: ليس ذلك لهم إنما شاركه في مال معروف بعينه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنهما إذا لم يتفاوضا في جميع أموالهما وإنما تفاوضا في مال مسمى فلا يلزم أحدهما ما داين به الآخر إلا في ذلك المال الذي تفاوضا فيه بعينه وبالله التوفيق.

.مسألة اشتركا أخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم فعملا على ذلك وربحا:

من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن رجلين اشتركا أخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم فعملا على ذلك وربحا كيف يقسمان الربح؟ قال: يقتسمان على الدنانير والدراهم ما وقع من شيء للدنانير من الدنانير وقع للدراهم مثله من الدراهم إن كان للدنانير دينار فللدراهم درهم وإن كان للدنانير نصف دينار فللدراهم نصف درهم، وإن كان ربع فربع على هذا يقتسمان الربح، قلت: أفيصرفان الربح دراهم ثم يقتسمانه على هذا الحال؟ فقال: إن شاءا صرفا وإن شاءا لم يصرفا إذا قسماه على هذه القسمة ويأخذ كل واحد منهما رأس ماله مثل الذي أخرج، يأخذ صاحب الدنانير رأس ماله دنانير ويأخذ صاحب الدراهم رأس ماله دراهم ويقتسمان الربح على ما فسرت لك، وكذلك بلغني عن مالك وهذا إذا فات، ولا تصلح الشركة بالدنانير والدراهم.
قال محمد بن رشد: لا تجوز الشركة بالدنانير من عند أحد الشريكين والدراهم من عند الآخر على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها وهو مذهبه في هذه الرواية؛ لأنه إنما تكلم على الحكم في ذلك إذا وقع ولم يعثر عليه حتى فات بالعمل، فقال: إنه يأخذ صاحب الدنانير رأس ماله دنانير وصاحب الدراهم رأس ماله دراهم ثم يقتسمان الربح على ما ذكره حسبما يتبين مراده به، إذ ليس على ظاهره، وذلك أنه قال: ما وقع للدنانير من شيء من الدنانير وقع للدراهم مثله من الدراهم فمراده به أن ما وقع ربح الدنانير من الدنانير وقع للدراهم مثل ذلك الجزء من الدراهم لا مثل ذلك العدد على ما يقتضيه لفظه لاسيما بقوله بعد ذلك: إن وقع للدنانير دينار وقع للدراهم درهم وإن وقع للدنانير عشرة دنانير وقع للدراهم عشرة دراهم، إذ لا يصح إذا وقع للدنانير ربح دينار ألا يقع للدراهم إلا ربح درهم وإذا وقع للدنانير ربح عشرة دنانير ألا يقع للدراهم إلا ربح عشرة دراهم فيكون صاحب الدراهم لا يربح من عدد الدراهم إلا ما يربح صاحب الدنانير من عدد الدنانير هذا ما لا يصح أن يريده ابن القاسم أو يقوله، وإنما عبر عن تساوي الجزأين بتساوي العددين ألا ترى إلى قوله بعد ذلك: وإن وقع للدنانير مثل نصفها من وقع للدراهم مثلها من الدراهم، فكما يكون إذا وقع للدنانير مثلها من الدنانير يقع للدراهم مثلها من الدراهم فكذلك يكون إذا وقع للدنانير مثل نصفها من الدنانير أو مثل ثلثها أو مثل ربعها أو مثل عشرها أو مثل عشر عشرها يقع للدراهم مثل نصفها من الدراهم أو مثل ثلثها أو مثل ربعها أو مثل عشرها أو مثل عشر عشرها، وما كان من الأجزاء وذلك يرجع إذا اعتبرته بما يخرج الحساب إلى أن يقتسما جميع ما بأيديهما على ما كان فيه من ربح أو خسارة على قيمة الدنانير والدراهم يوم الفسخ فهذا أقرب مأخذ في العمل، وقيل: إنهما يقتسمان ذلك على قيمة الدنانير والدراهم يوم اشتركا، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة، وقد روي عن مالك إجازة الشركة بالدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند الآخر وبالطعامين المختلفين وبالعرضين المختلفين، روي عنه أنه قال في الشركة بالعرضين المختلفين: ما هو من عمل الناس، وذلك والله أعلم لما يدخله من بيع وشركة.
فيتحصل في جملة المسألة لمالك ثلاثة أقوال، أحدها أن الشركة جائزة في ذلك كله لأنه إذا أجازها بالدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند الآخر أو بالطعامين بالمختلفين فأحرى أن يجيز ذلك بالعرضين المختلفين إذ ليس في العرضين المختلفين إلا علة واحدة، وهي اجتماع البيع والشركة، وفي الدنانير والدراهم والطعامين المختلفين علتان وهما عدم التناجز والبيع والشركة في الطعامين المختلفين والصرف والشركة في الدنانير والدراهم، وهو مذهب سحنون أجاز ذلك كله إذ لا يراعي في الشركة عدم التناجز ولا الصرف والشركة ولا البيع والشركة إذا كانا داخلين في الشركة، والثاني أن الشركة لا تجوز عنده في شيء من ذلك كله؛ لأنه إذا لم يجزها في العرضين المختلفين فأحرى ألا يجيزها في الطعامين المختلفين وفي الدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند الآخر، والثالث أن الشركة جائزة بالعرضين المختلفين ولا يجوز بالطعامين المختلفين ولا بالدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند الآخر وهو مذهب ابن القاسم لاجتماع علتين في الطعامين المختلفين في الدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند الآخر وانفراد علة واحدة في العرضين المختلفين وقد روى أبو زيد عن ابن القاسم في كتاب ابن المواز إجازة الشركة بالدنانير من عند أحد الشريكين والدراهم من عند الآخر ابتداء مثل قول سحنون وأحد قولي مالك وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يشتري السلعة وتجب له فيقول أشركني فيها:

ومن كتاب أوله استأذن سيده:
قال: وسألته عن الرجل يشتري السلعة وتجب له، فيقول: أشركني فيها، قال: هذا حرام لا خير فيه لأنه بيع وسلف، قيل له: فلو كان صاحب الصفقة هو المسلف قال لرجل: تعال أشركك فيها وأنقد عنك ثمنها وأؤخرك؟ قال: إن كانت السلعة حاضرة بعينها فلا بأس به، قال ابن القاسم: إن كانت سلعة مضمونة فلا خير فيه لأنه الدين بالدين.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن الشركة إذا وقعت على أن ينقد المشرك عن الذي أشركه ثمن الحظ الذي بقي بيده ولم يشركه به فهو بيع وسلف لأن المشرك يؤدي عن المشرك ثمن الحظ الذي بقي بيده ثم يطلبه به دينا ثابتا في ذمته، فهو سلف لا يجوز أن يشترطه أحدهما على صاحبه في أصل الإشراك، لا يجوز أن يقول المشتري: أنا أشركك على أن تنقد عني ولا أن يقول المشرك: أشركني وأنا أنقد عنك وأما ثمن الحظ الذي وقعت فيه الشركة فجائز أن يشترط كل واحد منهما على صاحبه نقده لأنه إن اشترط ذلك المشتري على المشرك فهو الواجب وهي شركة جائزة على وجهها وإن اشترط ذلك المشرك الذي أشركه فهو بيع صحيح لأنه باعه ذلك الحظ على أن يؤخره بثمنه وينقده هو عن نفسه فلا إشكال في جوازه إلا أن تكون السلعة مضمونة على ما قال فيكون الدين بالدين الذي لا يجوز وبالله التوفيق.

.مسألة يمين التهمة وفي وجوب ردها والاختلاف في ذلك:

قال: وسألت ابن القاسم عن رجل كان له شريك بدمياط وهو بالفسطاط فأتته ثياب من عند شريكه من دمياط فوجد في بعض الثياب بطاقتين أحدهما أكثر ثمنا من صاحبتها ما سمى له، هل ترى عليه يمينا أنه ليس بهذا الرسم للأدنى؟ قال: نعم أرى عليه اليمين، قلت: فإن أبى اليمين أيحلف الآخر؟ قال: نعم إن أبى أن يحلف قيل للآخر: احلف، قلت كيف يحلف؟ قال: يحلف على البتات أن هذه الثياب بهذا الرسم للأدنى.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في آخر رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع في لحوق يمين التهمة وفي وجوب ردها والاختلاف في ذلك مشهور معلوم في المذهب قيل: إنه لا يحكم بها ولا يردها وقيل: إنه يحكم بها ويردها وقيل: إنه لا يحكم بها ولا يحكم بردها إلا أنه لا يسوغ لمن مكن منها بوجه الحكم أن يحلف إن لم يكن على يقين مما حلف عليه لأنه إنما مكن منها على أن يحلف إن كان يدعي معرفة ما يحلف عليه، والأصل في هذا «أن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ لما قال للجاريتين في صاحبهم الذي قتل بخيبر إذ بدأهم باليمين: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم؟ قالوا: يا رسول الله، كيف نحلف ولم نشهد ولم نحضر؟ فلم يرد ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَدَاهُ من عنده»، وقد تأول بعض الناس على ما وقع في رسم البراءة من سماع أنه يجوز للرجل أن يحلف مع شاهده وإن لم يعلم صحة ما شهد له به وذلك بعيد، وقد مضى الكلام عليه في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من الكتاب المذكور وبالله التوفيق.

.مسألة اشتركوا في سلعة اشتروها فتولى أحدهم بيعها فباعها وأمسك الدنانير:

ومن كتاب أوصى لمكاتبه بوضع نجم من نجومه:
وسئل عن قوم اشتركوا في سلعة اشتروها فتولى أحدهم بيعها فباعها وأمسك الدنانير، فقال له شركاؤه: أبعت السلعة؟ فقال: نعم بعتها قيل له: فأين الثمن؟ قال: هو ذا في كيسي مع دنانيري قيل له: فأعطنا حقنا، قال: نعم أتسوق ثم أعطيكم الذي لكم، فذهب عنهم ثم أتاهم فزعم أنها قرضت من كمه.
قال: هو ضامن إذا سألوه حقهم فلم يعطهم وجهه عنهم، قيل له: إنا لما أردنا أن نخاصمه قال: أسلفوني دينارين أتجر فيها، فما صار فيها من ربح قضيتكم، ووخرني عشرة أشهر وأنا أقولكم وأكتب علي بذلك ذكر حق ففعلنا فأردنا أن نخاصمه الآن فهل تقضي لنا بذلك الإقرار؟ قال: فعلتم ما لا يحل فلا يقضي عليه بذلك إلا قرار لأنه يقول: إنما أقررت لكم على أن تسلفوني ولكن إن كانت لكم بينة حين سألتموه حقكم حبسه عنكم ثم جاء يزعم أنه تسوق فهو ضامن.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا أقر أنه باع السلعة وقبض الثمن فلا يصدق فيما ادعى من أنه قرض من كمه إذا كانوا قد سألوه حقهم فحبسه عنهم، ولو أدى ذلك قبل أن يسألوه إياه لوجب أن يصدق في ذلك على ما دل من قوله، وهذا إذا كان توليه لبيع السلعة بإذنهم وأما لو تولى ذلك بغير إذنهم لما صدق فيما ادعى من أن الثمن قرض من كمه كان ذلك من دعواه قبل أن يسألوه الثمن أو بعد أن سألوه إياه، ولا إشكال فيما ذكره من الإقرار إذا كان منكرا ألا يلزمه إذا كان على الوصف الذي وصفه؛ لأنه إنما أقر على شرط، فإذا لم يتم له الشرط لم يلزمه الإقرار ولو أسلفوه الدينارين ووخروه إلى المدة ثم قاموا عليه عنها انقضائها للزمه الإقرار وإن كان وقع عليه سبب فاسد وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.